شاركت المرأة العربية في الثورات العربية على مدى السنتين الماضيتين باشكال وادوار مختلفة. ومع ذلك، يطل عيدها وسط محاولات حثيثة لاعادتها إلى البيت وإلى «بيت الطاعة» معما يرافق ذلك من استخدام للتشريعات وللممارسات الاجتماعية ضدها.
كل ما يرمي إلى الارتداد على الدولة المدنية يصيب المرأة. وهذا الارتداد يتجلى على أنه الدأب المركزي للحركات الإسلامية في السلطة أو خارجها. فتعميم قوانين الاحوال الشخصية الشرعية والمذهبية يكرّس ويعمم التمييز ضد النساء في الحقوق والاحوال الشخصية (في الإسلام والمسيحية معاً). والسعي لتغليب التشريع الديني على التشريع المدني - وعلى الديمقراطية! - يلقى ترجَمته في الانقلاب على مبدأ المساواة السياسية والقانونية بين المواطنين وعلى المساواة بين الرجل والمرأة على حد سواء. ومن اشكال التمييز هذه حرمان الأم من الحق في منح جنسيتها لأولادها، المستمرة في لبنان رغم الحملات ضدها.
يجب الاعتراف بأن ثمة إطباقاً تدريجياً لحالة من المحافظة الاجتماعية والضبط الديني التحريمي على نواحي الحياة المختلفة يطاول منع الاختلاط بين الجنسين في البيت (بين الرجل وإبنته!) والعمل (إرضاع الزميل!) والمدرسة والحقل العام، قبل ان يلقي الحرم على صوت المرأة وشَعر المرأة وجسد المرأة بما هي«عورة». في تونس، قرّر وزير التعليم معاقبة طالبات إحدى الثانويات لأنهن رقصن في باحة المدرسة. وفي تعزّ وصنعاء يكفّر مشايخ اصوليون الصحفيات والناشطات اليساريات، ويحللون دماءهن، فيما زملاؤهم في سوريا يفرضون الحجاب والعزل الاجتماعي على النساء بقوة السلاح حيث تسنّى لهم ذلك.
ولا يستغربن احدٌ ان يأتي الجواب «الشرعي» على مشكلات البطالة باخراج النساء من سوق العمل. السابقة الجزائرية شاهد على ذلك. ما بالك ! ثمة حل ديني لكل شيء عندما يكون «الاسلام هو الحل». فقد أفتى وزير المالية التونسي بأن مشكلة البطالة «لا تحلّها الا معجزة»!
التزويج المبكر يبلغ ذروته في يمن «المبادرة الخليجية» المرعية أميركياً، ولكن تطبيقاته الأخرى منتشرة من المحيط إلى الخليج. ارتفعت نِسَب تعدّد الزيجات مع مجيء الإسلاميين إلى الحكم. ومعها تصاعدت موجات العنف ضد النساء بمختلف الأشكال. والتحرّش الجنسي لا يعفي المتحجبات. تريد نظرة غربية إستشراقية أن تنسبه إلى الكبت الجنسي عند الشباب. مع أن الجرأة على التحرّش وانتشاره والتمادي فيه تتغذى أيضاً وخصوصاً من الاطمئنان إلى التواطوء الاجتماعي الواسع على اعتبار المرأة كائناً دونياً وغياب التشريعات والعقوبات الرادعة لمثل تلك الأعمال. ولا تزال حياة المرأة تزهق، على اعتبار أن حياتها، بل الحياة بذاتها، أرخص من «شرف العائلة» و«عرض» الرجل. وهنا أيضا يتشجع القتلة بالتواطوء الاجتماعي والاحكام التخفيفية في القوانين على ما يسمّى «جرائم الشرف».
وإذ يستعر الاقتتال الأهلي في بعض الثورات، يصير الاغتصاب سلاحاً حربياً. وتنتشر مع الحروب واللجوء ظاهرة تسليع الجسد النسائي ابتداء ببيع الفتيات من ذُكور ميسورين، غالباً من الخليج العربي، وصولاً إلى البغاء.
وهكذا فيما جذور الاستبداد السياسي والسلطوي تتخلخل، تتكاثر وتتراكم محاولات المحافظة على جذور الاستبداد الذكوري في المجتمع. ولكن حذار! إن الذكورية المتسلطنة في المجتمع قابلة لإعادة انتاج الاستبداد السياسي بسرعة الضوء.
تقاوم النساء ويقاوم الشباب، ذكوراً واناثاً، وهما ضحايا التهميش والعزل والتمييز بحقهم من قوى الردة بقدر ما هما شريكان في مقاومتها. وكم هو معبّر أن يتحدى الشباب التحريمات الملقاة على الأجساد بواسطة رقصة «هارلم شايك» المستوحاة من رقصة منتشرة في أحياء الأفارقة الأميركيين الفقراء والمتمردين في ضاحية «هارلم» بنيويورك.
ثمة مقاومات وانتفاضات متفرقة ترهص ببصيص أمل يضيق عنها هنا المجال وتقصّر دونها المعلومات المتوافرة. ولكنها تنبيء بأن «أول الرقص حنجلة».
والمؤكد أنه مثلما أطاحت الثورت بافكار وممارسات واشكال تنظيمية كانت مهيمنة سائدة خلال ربع القرن الأخير، كذلك تلحّ الضرورة لإجراء مراجعة جذرية لما تضمنته تلك الافكار والممارسات والاشكال التنظيمية المخصوصة بتحرر المرأة. فإذ عمّدت السيّدة هيلاري كلنتون المرأة في مصر «أقلية» (مع أنها الاكثرية العددية ) أجازت وضع النساء تحت رعاية ووصاية «الاكثرية الذكورية» المتمثلة بالسلطة الإخوانية! هذا اكتشافا جديد يبدد وهماً آخر من الأوهام المعلّقة على السياسات الأميركية تجاه الثورات. من جهة ثانية، تبيّن أن «تمكين المرأة»، الشعار المركزي للأمم المتحدة حول المرأة، جعلها مفعولاً له لا فاعلاً في عملية تحررها. فما كان أسهل من الالتفاف على هذا «التمكين» من علياء الابوّة الذكورية تكتفي بتعيين نساء في مراكز إدارية أو سياسية عديمة الأهمية والتأثير كما في حال الوزيرات أو المديرات العامات في الخليج. هذا حتى لا نتحدث عن تعيين نساء في مجلس الشورى السعودية في الوقت الذي لا يستطعن المجيء لحضور الجلسات إلا برفقة «محرم».
«الثورة أنثى». تقول اليافطات في الثورات والهتافات. وحري بالثورة الأنثى ترشد النساء إلى الدري الرئيس الذي تعلمته ملايين النساء والرجال في الثورات. اعني التمكن الذاتي للشعوب إن هي أرادت انتصار الحياة والحرية والعدالة والمساواة.
فهل تكون سنة ٢٠١٣ سنة الثورة النسائية والنسوية داخل الثورات؟
هو الأمل الذي نأمله بالتي «تنتج الحياة الحقيقية» في عيدها.
[عن جريدة "السفير" يعاد نشره بالإتفاق مع الكاتب.]